أوزهورود - "وطن بعيد عن الوطن" هو المفهوم الكامن وراء هذا المقهى الصغير الذي يديره زوجان أوكرانيان في قبو في أوزهورود، وسط منطقة زاكارباتيا - أوكرانيا.

إنّ أحد أكثر الأطباق مبيعًا في المقهى بلوف اللذيذ المذاق – عبارة عن طبق أرز ولحم من آسيا الوسطى، ولكنه معروف في أوكرانيا بفضل سكان التتار الذين يعيشون في شبه جزيرة القرم. يجد الزبائن صعوبة في مقاومة رائحة طبق مألوف بهذا الشكل، يستحضر على الفور صورة عائلة مجتمعة حول مائدة العشاء.

يقدّم مقهى بلوف - الذي سمّي على اسم الطبق المذكور - أصنافاً مختلفة من البلوف، مصنوعة منزليّاً. افتتح المقهى يوري ولاريسا، وهما زوجان نازحان من كييف، قبل بضعة أشهر وأصبح منذ ذلك الحين مكانًا معروفاً يتوجّه إليه السكّان المحليون.

توضح لاريسا قائلة: "نحب استقبال الزبائن ما يسمح ليوري بتحضير البلوف على طريقته الخاصّة في كل مرة ندعو فيها شخصًا ما. وهي وصفة طعام مفضّلة في العائلة، تضعك في مزاج جيّد".

كان مجال العمل في المطاعم أمرٌ جديد تماماً بالنسبة إلى يوري ولاريسا، لكنهما يديران اليوم أحد أشهر المقاهي في أوزهورود، يقدّم طبق البلوف الرائج. الصورة: المنظمة الدولية للهجرة / داريا دوفجينكو.

قبل الحرب، سكنت العائلة كييف، حيث امتلك يوري شركة هندسة معمارية فيما كانت لاريسا تعمل كخيّاطة. في بداية الحرب، قاما بالفرار إلى أوزهورود حيث ولد يوري وترعرع.

تتذكّر لاريسا قائلة "واجهتنا الكثير من التحديات في الطريق إلى أوزهورود. أمضينا اثنتي عشر ساعة لبلوغ لفيف ثم اثنتي عشر ساعة أخرى للوصول إلى أوزهورود. واجهنا اختناقات مرورية هائلة ؛ وكان الجميع خائفًا ومتوترًا، وكنا نسمع طائرات عسكرية تحلق في سماء المنطقة. شعرت وكأنه فيلم سريالي وأنني في موقع تصوير".

في أوزهورود، وجدا صعوبة في الاستقرار وبدأ المال ينفذ بسرعة. لم يعد هناك طلب تعد الوظائف التي شغراها جذابة ولم يعرفا كيف سيقومان بتأمين لقمة العيش. مستلهمة بالنجاح الذي حقّقاه في كييف، أدرك كلّ من لاريسا ويوري أنّ لديهما الجرأة والفرصة للبدء من جديد.

إقترحت لاريسا فكرة جريئة: افتتاح مكان يقدم طعامًا محليًا، وهو مشروعٌ كان كلاهما يحلم به منذ سنوات.

تشرح لاريسا قائلة "إنّ إدارة الأعمال أثناء الحرب لعمل مرهق وتأسيس عمل تجاري أثناء الحرب هو تحدٍ، لكننا قررنا أن نتبع حدسنا. كانت خطوة مخيفة، غير أنّه لم يكن بالإمكان أن نتراجع إذ لا مكان لنا لنعود إليه. وكلّ ما تبقى لنا هو استكشاف المجهول. لذلك قررنا أن ننتهز الفرصة".

أصبح مقهى بلوف مكان الاستراحة المفضل في أوزهورود، حيث يمكن للنازحين شراء أطباق لذيذة مصنوعة منزليّاً. الصورة: المنظمة الدولية للهجرة / داريا دوفجينكو.

عندما وجد يوري ولاريسا قبو مهجور كان في السابق متجر ألعاب للأطفال، أدركا فوراً أنّه سيكون المقهى المستقبلي الخاص بهما.

بما أنّهما لم يملكا الكثير من المال، كان لا بدّ من تحقيق حلمهما بأقل كلفة ممكنة، وكانا محظوظَين بما يكفي لمصادفة صديق أعجب بالفكرة وساعدهما على شراء الأثاث. في أقلّ من شهر، وبعد إجراء جميع الإصلاحات اللازمة وتجهيزه المقهى، كان يوري ولاريسا على استعداد لافتتاح مقهى بلوف.

تذكر لاريسا قائلة "كان أوّل الزبائن الذين قدموا إلى المقهى نازحين مثلنا. وصل الكثير من الأشخاص من خاركيف وشرق أوكرانيا. كنّا نتحدّث سويّاً ونتشارك الصعوبات التي مررنا بها، فالحزن جمع بيننا".

سرعان ما أصبح بلوف نقطة الإلتقاء الأولى لأعداد كبيرة من النازحين في المدينة، علماً أنّ الكثير منهم لا يستطيع استئجار مسكن يضمّ مطبخًا خاصّاً أو حتّى ميكروويف. فكان بلوف أحد المقاهي القليلة في المدينة حيث أمكن للنازحين الحصول على طعام منزليّ جاهز خلال بضع دقائق.

تقول لاريسا "في مجال عمل المطاعم، نادرًا ما ترى المالكين في المطعم بينما يقوم النادل بخدمتك. إلا أنّنا نعمل بطريقة مختلفة: ندعوك الى المقهى ونسعى جاهداً أن تشعر وكآنّك في منزلك. وبما أنّنا لا نملك منزلاً في أوزهورود، فقد أصبح هذا المقهى منزلنا الثاني. يقول زبائننا على سبيل المزاح إنّه المكان الوحيد الذي يعمل فيه أصحاب المقهى كطهاة ومساعدين ومقدّمي الطعام."

غالبًا ما ترى يوري وهو يقوم بتحضير وصفة البلوف الخاصة به والتي أصبحت رمز نجاح عائلته في المدينة التي يعتبرها الآن بلدته. الصورة: المنظمة الدولية للهجرة/داريا دوفجينكو.

تحاول لاريسا دائمًا ابتكار وصفات فطائر جديدة للمقهى. وبدعم من المنظمة الدولية للهجرة، تمكّن المالكان من شراء علبة عرض لواجهة المقهى حيث يمكن للاريسا عرض روائع الطهي الخاصة بها. واليوم، غالبًا ما تحظى حلوياتها بإنتباه المارة بما يكفي لحثّهم على دخول المقهى.

حين ينظر الزوجان رلى الماضي، يتفاجآن بكيفيّة سير الأمور. كما يعترف يوري ولاريسا بأنّ مفتاح النجاح يكمن في القدرة على الاعتماد على النفس، والإيمان بالقدرة والمهارة الشخصيّة، والقيام بالعمل الذي يتمّ اختياره بشغف. والجدير بالذكر أنّهما لا يرغبان في التوقف عند هذا المقهى فحسب، بل يخططان لافتتاح مقاهي أخرى، على الأرجح في كييف.

يقول الزوجان "لم نكن نملك شيئاً عندما وصلنا، لكن النزوح يعني إيجاد معنى جديد للحياة. لا نعرف ما إذا كان هذا المقهى سيستمرّ هنا لفترة قصيرة أو ربما طوال حياتنا. لكنّنا ندرك أنّ هذه التجربة جعلتنا مرنين بما يكفي لإحتضان التغيير وعدم التمسّك بالماضي. على المرء أن يكون مرنًا وأن يبذل ما يستطيع ويثق بأنّ الأمور تجري على ما يرام".

تمكن يوري ولاريسا من القيام بتحسينات في المقهى بفضل الدعم الذي قدمته حكومة اليابان للمنظمة الدولية للهجرة.

كتبت هذه القصة داريا دوفجينكو، أخصائية التواصل في المنظمة الدولية للهجرة في أوكرانيا، ddovzhenko@iom.int.

إذا كنت مهتمًا بالتبرع لدعم جهود الإغاثة في أوكرانيا، الرجاء زيارة صفحة جمع التبرعات الخاصة بالمنظمة الدولية للهجرة.