اصطفت الشهر الماضي في مطار عدن مجموعة من 265 مهاجراً للصعود على متن طائرة مستأجرة من طيران اليمنية متجهةً إلى أديس أبابا. كان جمال ومحمد، أب وابنه، من بين هؤلاء المهاجرين. ويحكي الأب، جمال: "غادرت إثيوبيا قبل أربع سنوات، سيراً على الأقدام وعلى السيارات. واستغرقت رحلتي من إثيوبيا إلى جيبوتي ثم اليمن شهراً و 15 يوماً. ولمدة 15 يوماً أخرى، احتجزني مهرب وتعرضت للضرب قبل أن يطلق سراحي. بعدها وجدت عملاً في مزرعة في منطقة الروضة. مكثت هناك أعمل خلال السنوات الثلاث إلى الأربع الماضية."

ترك جمال منزله في إثيوبيا على أمل العثور على عمل في المملكة العربية السعودية. لم يكن قادراً على الوصول إلى السعودية، واضطر إلى الاستقرار في اليمن والعمل في مزرعة.

عمل جمال في ظل ظروف عمل استغلالية وكان ما يكسبه ضئيلاً. وفي أحد الأيام، أصيب جمال بجروح خطيرة أثناء عمله، وكان وحيداً ويعاني من الألم، وقرر جمال أخيراً أن الوقت قد حان للعودة إلى بلده بعد إصابته الخطيرة.

كنت أعمل في منطقة الروضة كمزارع. وأثناء عملي، سقطت من جرار وأصيبت ذراعي وساقي بجروح بالغة. بمجرد أن أدركت أنه لم يعد بإمكاني العمل، عرفت أنه يجب عليَّ العودة إلى بلدي."

سعى جمال بعد تعرضه للحادث للحصول على الدعم الطبي في مرفق صحي قريب في رداع. ولدفع تكاليف العلاج، ساهم أصدقاؤه وزملاؤه من المزارعين المهاجرين في جمع المبالغ المالية المطلوبة.

محد يجلس بجوار والده، جمال، في مطار عدن في اليمن قبيل الصعود على متن رحلة العودة الإنسانية الطوعية التي ستنقلهم إلى بلدهما إثيوبيا. الصورة: إيفا سيباندا/المنظمة الدولية للهجرة، 2023م

عاد أحد المهاجرين الذين سافر جمال معهم إلى إثيوبيا. وبمجرد عودته إلى بلده، أبلغ ابن جمال، محمد، بحالة والده. غادر محمد إثيوبيا متوجهاً إلى اليمن، عازماً على إعادة والده إلى المنزل مهما كانت المخاطر.

"لم أخبر والدتي أو أي شخص آخر في العائلة. غادرت فحسب، ولكن بمجرد وصولي إلى اليمن، اتصلت بوالدتي وأخبرتها أنني وصلت إلى اليمن لأعيد أبي."

استغرق الأمر من محمد شهراً للوصول إلى شمال اليمن، بالقرب من الحدود مع المملكة العربية السعودية، حيث تقطعت السبل بوالده. بمجرد أن التم شملهما، شقا طريقهما جنوباً نحو عدن. هناك تم تسجيلهما وإصدار الوثائق لهما في مركز المغادرة التابع للمنظمة الدولية للهجرة. بعد شهرين، تمكنا أخيراً من العودة إلى بلدهما على متن إحدى رحلات العودة الإنسانية الطوعية التي تسيرها المنظمة الدولية للهجرة.

وعبَّر عن سعادته بالعودة إلى عائلته: "كانوا يبكون وكانوا في حزن منذ أن غادرت."

شابان من بين 265 مهاجر إثيوبي يمشون للصعود على طائرة مستأجرة تابعة لطيران اليمنية في مطار عدن، اليمن. الصورة: إيفا سيباندا/المنظمة الدولية للهجرة، 2023م

ينتظر أكثر من 1800 مهاجر تقطعت بهم السبل ، معظمهم من الإثيوبيين، لأسابيع أو أشهر لفرص العودة إلى ديارهم. وتأتي رحلات العودة الإنسانية الطوعية من اليمن كاستجابة منقذة لحياة المهاجرين العالقين في اليمن. فانعدام الأمن في جميع أنحاء البلاد، ونقص الغذاء والمأوى والرعاية الصحية، فضلاً عن ظروف العمل الاستغلالية ومقاساة العنف على أيدي المهربين، تجعل الحياة في اليمن ليست صعبة فحسب، بل خطيرة.

وفي ظل محدودية الفرص في اليمن والمخاطر المستمرة على سلامة المهاجرين، فإن الهدف الأساسي من رحلات العودة الإنسانية الطوعية  هو إجلاء أولئك الذين يسعون إلى العودة إلى بلدانهم الأصلية، بشرط أن تكون الظروف آمنة. وتعمل المنظمة الدولية للهجرة على تمكين أكبر عدد ممكن من الأفراد من المغادرة في أقرب فرصة لمنع المزيد من المعاناة للمهاجرين الذين تقطعت بهم السبل.

وتشمل مساعدة العودة التي تقدمها المنظمة الدولية للهجرة دعماً معيناً في كل مرحلة من مراحل عودة المهاجرين، بدءاً من التحقق والتسجيل، وتوفير المأوى ومواد الإغاثة للمهاجرين المسافرين، واستئجار الرحلات الجوية، إلى مساعدة المهاجرين على الوصول إلى منازلهم ولم شملهم مع عائلاتهم بعد وصولهم إلى بلدانهم الأصلية. 

أتاحت رحلة الشهر الماضي للمهاجرين، مثل محمد وجمال، العودة إلى أسرهم في الوقت المناسب للاحتفال بالعيد.

قال عصام المخزومي، مساعد أول في برنامج الحماية التابع للمنظمة الدولية للهجرة في اليمن: "يريد أولئك الذين يمارسون الشعائر الإسلامية العودة إلى ديارهم وقضاء شهر رمضان والعيد مع عائلاتهم بسلام."

موظفون في مطار عدن يتحققون من وثائق السفر لشُبَّان مهاجرون يستقلون طائرة اليمنية التي استأجرتها المنظمة الدولية للهجرة والتي تتجه إلى أديس أبابا، إثيوبيا. الصورة: إيفا سيباندا/المنظمة الدولية للهجرة، 2023م

وقد تم تحديد مواعيد رحلات العودة الإنسانية الطوعية للمهاجرين الذين تقطعت بهم السبل في اليمن حتى سبتمبر 2023. وبدون تمويل إضافي، ستضطر المنظمة الدولية للهجرة للتوقف عن تسيير هذه الرحلات التي تمثل شريان الحياة للمهاجرين.

ويتلقى المهاجرون الضعفاء العائدون إلى إثيوبيا حالياً مساعدة ما بعد الوصول والتي تشمل النقل إلى مناطقهم وإعادة الإدماج ودعم سبل العيش. ولكن برامج إعادة الإدماج التابعة للمنظمة الدولية للهجرة في إثيوبيا تواجه نقصاً حاداً في التمويل وقد يتم تعليقها قريباً.

وتتماشى خدمات الحماية والمساعدات الإنسانية التي تقدمها المنظمة الدولية للهجرة استجابةً لاحتياجات العائدين مع خطة الاستجابة الإقليمية للمهاجرين في القرن الأفريقي واليمن للعام 2023م. وتهدف خطة الاستجابة الإقليمية إلى تلبية احتياجات المهاجرين الذين يمرون بحالة ضعف والمجتمعات المستضيفة لهم في البلدان الواقعة على طول طريق الهجرة الشرقي بين القرن الأفريقي واليمن.

يتم تسيير رحلات العودة الإنسانية الطوعية من اليمن بفضل التمويل السخي المقدم من مكتب السكان واللاجئين والهجرة التابع لوزارة الخارجية الأمريكية، ومركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية. وبدعم من حكومتي ألمانيا وفنلندا، يتم تقديم خدمات الحماية والدعم الصحي للمهاجرين العالقين في اليمن.