كان هناك طرق على الباب. انفتحت، وأطل عبدي البالغ من العمر 64 عامًا من خلفه. توهجت عيناه عندما رأى سالار وعادل واقفين عند البوابة. قال عبدي، قادهم إلى منزله بابتسامة كبيرة على وجهه: "تفضلوا بالدخول يا إخوتي".

ويشرح عبدي: "لقد زارني سالار وعادل مرات عديدة لدرجة أنهما أصبحا جزءًا من العائلة".

ان سالار وعادل هما جزء من الفريق الطبي المتنقل التابع للمنظمة الدولية للهجرة في دهوك - وهي خدمة مصممة لتقديم الأدوية الأساسية والرعاية الصحية للسكان المعرضين للخطر في جميع أنحاء العراق. نزح عبدي وعائلته خلال صراع داعش في عام 2014. تعيش الأسرة الآن في شيخكان، وهي قرية نائية تقع في المنطقة الغربية من قضاء شيخان في محافظة دهوك في كردستان العراق.

يتواصل سالار وعادل مع عبدي بشكل يومي منذ ما يقارب ستة أشهر. التقوا في أوائل كانون الثاني 2022 عندما أحال المركز الطبي في شيخكان عبدي إلى فريق سالار لأنه كان يسعل الدم والبلغم، ويتقيأ باستمرار.

"لم أكن أعرف ما كان ذلك. شعرت بالغثيان في معدتي. لقد فقدت شهيتي - مهما أكلت، كنت اتقيأه على الفور. وفي غضون أسابيع قليلة، أصبح وزني الذي كان يبلغ 76 كغم، ما يقارب عن 40 كغم،" يتذكر عبدي الأسابيع القليلة الأولى قبل إحالته إلى الفريق الطبي المتنقل في غضون أسابيع قليلة.

بعد أن شاهد مثل هذه الأعراض من قبل، سالار – والذي يعمل كممرض بالتدريب ونقطة اتصال وتنسيق مكافحة مرض السل للمنظمة الدولية للهجرة في محافظة دهوك – كان لديه شك قوي حول مرض عبدي. فقام على الفور بنقل عبدي وزوجته إلى مركز السل في مدينة دهوك للفحص العاجل. تم التأكيد بما فيه الكفاية ان نتيجة اختبار عبدي إيجابية لمرض السل..

في العراق، يوجد أحد أعلى معدلات الإصابة بمرض السل في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. منذ عام 2014، حيث أدت أزمة داعش والعمليات العسكرية اللاحقة لاستعادة السيطرة على المناطق الواقعة تحت سيطرة داعش إلى مزيد من التدهور في القدرة على إدارة مرض السل في جميع أنحاء البلاد.

لا يزال الوضع الإنساني في البلاد متقلبًا، ولا يزال أكثر من مليون شخص في حالة نزوح، ولا يزال حوالي 180،000 يعيشون في مخيمات للنازحين داخليًا.

توجد ست اقسام في محافظة دهوك، ولكن هناك أربعة مراكز فقط لإدارة مرض السل. ومنطقة شيخان – التي تعد موطن العديد من النازحين والمجتمعات المضيفة الضعيفة - لا يوجد فيها حاليًا منشأة نشطة لإدارة مرض السل.

على الرغم من أن مرض السل قابل للشفاء، إلا أن حالة عبدي كانت صعبة بشكل خاص بسبب مرض السكري وأمراض القلب.

وأوضح سالار: "هذه مشكلة بالنسبة لمريض السل لأنه في بعض الأحيان، قد يتداخل دواء مرض السل مع دواء القلب أو السكري. وأن المرضى يجب أن يخضعوا لدورة علاجية صارمة ومستمرة للغاية لكي تكون فعالة."

"هناك مشكلة أخرى وهي نظرًا لأن المريض مصاب بالسكري، فلا يمكنه تناول أنواع كثيرة من الأطعمة التي تعتبر مهمة جدًا للمريض اذ انه يحتاج إلى الالتحاق بدورة علاج مرض السل."

ومع ذلك، حقق عبدي تعافياً ملحوظاً في غضون ستة أشهر فقط. وتابع سالار قائلاً: "عندما رأيته لأول مرة، كان هزيلاً. اما الآن، فقد استعاد وزنه، وهو بصحة جيدة ونظامه الغذائي سليم، وسرعان ما سيتعافى تماماً، ".

قال عبدي: "إن تناول كل هذه الأدوية المختلفة أمر صعب - فأحدها يؤثر على الآخر، وتسبب لي آلامًا مختلفة - لكنني أعلم أنه ضروري وأنني بحاجة إلى المضي قدمًا بها للتغلب على مرض السل".

"توقف سعالي، ولا دم ولا بلغم، وقد استعدت قوتي. أستطيع أن آكل بشكل طبيعي دون خوف من القيء؛ أنا الآن أقل بقليل من 70 كغم. أنا ممتن حقًا لكل الدعم الذي قدمه لي الفريق الطبي المتنقل من المنظمة الدولية للهجرة. لقد كانوا معي بطريقة أو بأخرى كل يوم خلال الأشهر الستة الماضية ".

على الرغم من أن عبدي يمكنه الآن أن يعد نفسه من بين أولئك الذين يتعافون من السل في جميع أنحاء البلاد، لا يزال هناك الكثير ممن يحتاجون إلى المساعدة التي ستنقذ حياتهم - بما في ذلك النازحين داخليًا الذين يعيشون في المخيمات والمواقع غير الرسمية، وأولئك الذين يعانون من النزوح الثانوي، والعائدين الجدد، واللاجئين، وأفراد المجتمع المضيف.

وأشار سالار: " لدينا أكثر من 60.000 نازح داخلياً وأكثر من 60.000 لاجئ في المخيمات في دهوك، ولا يشمل ذلك المجتمعات المضيفة التي نغطيها، وهذه منطقة ضخمة. إلا أنه كان من السهل إجراء المراقبة وتتبع المخالطين في المخيمات بسبب وجود حملات توعية متكررة وعمليات فحص جماعي للبحث عن الحالات المشتبه فيها."

"ولكن هناك العديد من المواقع التي لا يمكننا الوصول إليها ببساطة لأنها تقع في مناطق نائية ولأن لدينا بالفعل عددًا كبيرًا من الحالات للتعامل معها في المخيمات ومجتمعات معينة."

تحتفظ المنظمة الدولية للهجرة بسبع مجموعات علاجية في خمس محافظات متأثرة بالأزمة مع أعداد كبيرة من النازحين والعائدين وأفراد المجتمع المضيف الضعفاء: نينوى ودهوك، وكركوك، وصلاح الدين والأنبار. يخبرنا سالار أنه نظرًا لارتفاع عدد الحالات، أصبح مخيم خانكي في محافظة دهوك نقطة ساخنة لمرض السل.

ويساعد الفريق الطبي المتنقل التابع للمنظمة الدولية للهجرة في دهوك وأماكن أخرى، البرنامج الوطني لمكافحة السل في العراق في تنفيذ أنشطة للحد من مرض السل، من خلال حملات التوعية، والفحص الأولي وجمع عينات اللعاب، ونقل حالات السل المفترضة للتحقيق، وتتبع المخالطين، والعلاج الخاضع للمراقبة المباشرة وتوزيع السلات الغذائية ومتابعة علاج السل.

كما تدعم المنظمة الدولية للهجرة البرنامج الوطني لمكافحة السل في العراق بزيارات رقابية مشتركة لجميع عيادات البرنامج الوطني لمكافحة السل في جميع أنحاء العراق، والتدريب أثناء العمل لموظفي المختبرات، وشراء أدوية السل ومستلزمات المختبرات، وتحديث وطباعة القواعد الارشادية، وتوفير معدات الحماية الشخصية والحماية من العدوى ومكافحتها، توفير أدوات التشخيص مثل آلات GeneXpert ، وتدريبات بناء القدرات والمزيد.

كانت الجهود التي بذلها البرنامج الوطني لمكافحة السل في العراق والمنظمة الدولية للهجرة للحد من انتشار مرض السل مثمرة في علاج آلاف المرضى في جميع أنحاء العراق منذ عام 2017، عندما بدأ الصندوق العالمي في دعم برنامج حكومة العراق، ولكن هناك المزيد الذي يتعين القيام به.

وهذا يشمل زيادة عدد الفرق الطبية المتنقلة في جميع أنحاء البلاد لتوسيع التغطية الجغرافية والتعامل مع الحالات بين السكان المعرضين للخطر في المخيمات ومجتمعات العائدين والمجتمعات المضيفة؛ زيادة وحدات إدارة مرض السل وافتتاح مراكز تشخيص في كل محافظة (يوجد حاليًا 135 وحدة فعالة لإدارة السل في العراق)؛ توفير المزيد من إمدادات أدوية السل؛ وتنظيم المزيد من حملات التوعية الجماهيرية.

السل مرض هو مرض قابل للشفاء. قد تؤدي مثل هذه الخطوات إلى إنقاذ المزيد من المرضى مثل عبدي.

أصبحت استجابة المنظمة الدولية للهجرة للسل في العراق ممكنة بفضل دعم الصندوق العالمي.