قصص
بقلم :
  • منةالله حُميد | مساعد تواصل في المنظمة الدولية للهجرة

عدن – في السنوات التسع الماضية، تفانى الدكتور ياسر في عمله مع المنظمة الدولية للهجرة. وكان مرضاه من المهاجرين والأفراد النازحين داخلياً في اليمن الذي مزقه الصراع. في البداية، عمل الدكتور ياسر في خدمة المجتمعات الموجودة في المحافظات جنوبي البلاد، في شبوة وأبين والضالع. وبعد عام كامل، تحرك الطبيب ليؤدي واجبه على الطريق ضمن فريق المنظمة الدولية للهجرة الطبي المتنقل الذي يقدم الرعاية الطارئة للمهاجرين الذين يمشون في مناطق قاحلة من اليمن على طول الساحل الجنوبي اليمني. 

خلال الأيام القليلة الأولى من العمل في العيادة المتنقلة، يستذكر الدكتور ياسر المشاعر التي ساورته قائلاً "كنت مصدوماً بالحالات التي وجدناها على طول الطريق خلال رحلاتنا اليومية." 

ويضيف "هناك العديد من المهاجرين الذين نصادفهم وهم في حالة يرثى لها، بسبب التعذيب الفظيع."  

المهاجرين الذين يخدمهم الدكتور ياسر يتنقلون على طول الطريق المعروف باسم "الممر الشرقي" -  وهو ثاني أكثر طرق الهجرة ازدحاماً في العالم، ويمتد من القرن الأفريقي إلى اليمن الدولة التي تعيش عامها التاسع من الصراع.  

يخوض عشرات الآلاف من المهاجرين هذه الرحلة الخطرة سنوياً، ويمشون على الأقدام عبر القرن الأفريقي ومن ثم عبر القوارب إلى شواطئ اليمن – آملين أن هذه الرحلة الخطرة ستأخذهم إلى مستقبل مشرق حالما يصلون إلى وجهتهم النهائية في دول الخليج.  

في الأشهر السبع الأولى من عام 2023، عبر اكثر من 86,000 مهاجر خليج عدن قادمين إلى اليمن بحسب مصفوفة تتبع النزوح التابعة للمنظمة الدولية للهجرة. وهذا يتعدى إجمالي أعداد المهاجرين الوافدين في العام الماضي.   

ويقول الدكتور ياسر: "العديد من المهاجرين الذين نلتقي بهم يعانون من مشاكل جلدية أو تنفسية هضمية. ويتم إسعاف المهاجرين الذين هم بحاجة إلى رعاية طبية إضافية ودعم نفسي اجتماعي إلى نقطة الاستجابة للمهاجرين التابعة للمنظمة الدولية للهجرة أو إلى المرافق الطبية التي تدعمها المنظمة الدولية للهجرة في عدن." 

تُمشط العيادة المتنقلة طريق الهجرة بشكل يومي بحثاً عن مهاجرين منكوبين وصلوا حديثاً بالقوارب على طول المناطق الساحلية في اليمن. وبالنسبة للعديد من المهاجرين الذين يصلون إلى شواطئ اليمن، الدكتور ياسر وفريقه هم أول فريق يقدم المُساعدات للمهاجرين.  

وعن أفراد فريقه يقول الدكتور ياسر "يتألف فريقنا من طبيب، وممرض، وصيدلي، ومترجم، وسائق،" وأضاف الدكتور أن الفريق يساعد حوالي 150 مهاجر كل أسبوع.  

كل يوم، يتحرك الفريق مسافة 370 كيلومتر ذهاباً وإياباً من مدينة عدن إلى المناطق المحاذية للساحل، حيث لا توجد أي خدمات عامة أو بُنى تحتية لاستقبال المهاجرين. 

مهاجرون إثيوبيين يمشون على طول الساحل في لحج، وهي واحدة من المحافظات الساحلية بالقرب من عدن. الصورة: رامي إبراهيم / المنظمة الدولية للهجرة 2022.

المهاجرون من الفئات الأكثر ضعفاً والأكثر تعرضاً للخطر في اليمن. حيث يصلون إلى اليمن وقد لا تتعدى ممتلكاتهم سوى الملابس التي يرتدونها. ونادراً ما يستطيعون دفع كلفة الطعام، أو المأوى أو أجور التنقل، وبالتأكيد لا يستطيعون دفع تكاليف الدواء أو أي تكاليف طبية أخرى.  

"أبي، وهو من كان يعيل أسرتنا، توفي قبل عشر سنوات. وعملت أنا كمزارع في بلادنا، ولكن كان عملي بالكاد يكفي لإطعام أسرتي ونفسي،" هكذا تحدث أوبسان*، مهاجر شاب أتى إلى اليمن بنية الوصول إلى دول الخليج للحصول على عمل.  

ومثل أوبسان، العديد من المهاجرين الذين يصلون إلى اليمن يتركون بلدانهن للهروب من الفقر واحياناً للهروب من العنف. وغالبيتهم لا يعلمون انه سيمرون عبر دولة تضررت هي نفسها من سنوات من الحرب.  

وأضاف "لم تستطع عائلتي دفع تكاليف تعليمي، ولذلك اضطررت لترك المدرسة مرتين. ولم يكن لدي المال لأشتري قلماً أو دفتراً."   

الدكتور ياسر يقدم المساعدات الطبية لمهاجر في الساحل الغربي اليمني. الصورة: رامي إبراهيم / المنظمة الدولية للهجرة 2022.

يتحمل الدكتور ياسر وفريقه ساعات السفر الطويلة لأنه يعلمون أن عملهم يمكن أن يُنقذ حياة الأفراد المتنقلين.  

"أتذكر في عام 2019، عندما انتشرت الكوليرا، كان العديد من المهاجرين يعانون بشكل شديد عندما وجدناهم. وفي يوم ما، وجدنا أربعة مهاجرين شباب أسفل شجرة حيث كانوا على وشك مفارقة الحياة بسبب الكوليرا. ولحسن الحظ، عمل الفريق بسرعة لأنعشاهم، واستطعنا إنقاذهم جميعاً." 

ويتذكر الدكتور ياسر قائلاً: "إذا كنا قد تأخرنا في الوصول فقط 15 دقيقة، كان من الممكن أن يفارقوا الحياة. إنقاذهم كان عملاً مجزياً."

موظف طبي تابع للعيادة المتنقل الخاصة بالمنظمة الدولية للهجرة يتحدث مع المهاجرين في الساحل الغربي اليمني. الصورة: رامي إبراهيم: المنظمة الدولية للهجرة 2022.

معظم المهاجرين الذين يصلون إلى اليمن تقل أعمارهم عن 30 عاماً؛ وبعضهم لا تتجاوز أعمارهم التاسعة أو العاشرة. وبعدما يعاني الكثير منهم خلال الرحلة، غالباً ما يشعر هؤلاء المهاجرون بالخوف عندما تقترب العيادة المتنقلة منهم لأول مرة. 

ويوضح الدكتور ياسر: "يخشى بعض المهاجرين أن نختطفهم، لكنهم سرعان ما يشعرون بالارتياح عندما نشرح بابتسامة أننا عمال إنسانيين." 

"يسطع بصيص أمل من وجوههم المتعبة ونحن نقدم الرعاية الصحية لهم. رؤية هؤلاء الأشخاص سالمين وبصحة جيدة هو أعظم مكافأة لنا." 

في اليوم العالمي للعمل الإنساني، نحيي جميع العاملين في المجال الإنساني الذين يقفون جنباً إلى جنب مع أفراد المجتمعات التي يخدمونها، بغض النظر عن هويتهم أو الظروف التي تحيط بهم.  

تعمل العيادة الطبية المُتنقلة التي تُمشط بعض المناطق في لحج بفضل تمويل من الاتحاد الأوروبي، ومكتب وزارة الخارجية الأمريكية للسكان واللاجئين والهجرة، والحكومة الألمانية.  

العيادات المتنقلة الأخرى التي تخدم المهاجرين والنازحين في محافظات شبوة والحديدة ومأرب مدعومة من مكتب المساعدات الإنسانية التابع للوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، وصندوق الأمم المتحدة المركزي لمواجهة الطوارئ، وصندوق التمويل الإنساني في اليمن، وحكومة اليابان، وحكومة فنلندا. 

تلتزم المساعدات الإنسانية وخدمات الحماية التي تقدمها المنظمة الدولية للهجرة استجابةً لاحتياجات الأفراد العائدين، بخطة الاستجابة الإقليمية للمهاجرين للقرن الأفريقي واليمن لعام 2023، والتي تهدف إلى تلبية احتياجات المهاجرين في حالات الضعف والمجتمعات المستضيفة في البلدان الواقعة على طول الممر الشرقي للهجرة الواقع بين القرن الأفريقي واليمن. 

* تم تغيير بعض الأسماء لحماية هوية الأشخاص.